الصرع .. داء العظماء و العباقرة
عندما تطيش إشارات المخ، فتقلب الحياة رأسًا على عقب ..
يعتقد الكثيرون أن مرضى الصرع هم مجانين، و كان الاعتقاد السائد لدى الناس في القدم بأن النوبة تنشأ عن الجن و مس الأرواح الشريرة، لكن الحقيقة أن مرض الصرع كغيره من الأمراض، لا علاقة له بالقوى الخفية، بقدر علاقته بالجسم و ما يحدث فيه من تغيرات، و تحديدًا التغير في كهربية المخ، و انتظام الإشارات العصبية.
و يمكننا القول أن حياة المريض تنقلب رأسًا علي عقب، ليس بسبب المرض، بل بسبب نظرة المجتمع و الناس، التي يكتنفها كثير من الجهل، و تحوطها الخرافة ..
المحتويات
مقدمة
مقدمة
يعتقد الكثيرون أن مرضى الصرع هم مجانين، و كان الاعتقاد السائد لدى الناس في القدم بأن النوبة تنشأ عن الجن و مس الأرواح الشريرة .. لكن الحقيقة هي أن المرض ناتج عن شحنات كهربائية غير طبيعية تصدر في بعض خلايا المخ المصابة، و التي تسمى البؤرة الصرعية، و يظهر نشاط البؤرة في صورة أعراض غير طبيعية هي التشجنات، و لذلك قد يسمى الصرع أحيانا "بالاضطراب التشنجي".
و لا يزال الصرع واحدا من الأمراض التي استغلقت على عقول البشر، و حيرت و تحير الأطباء حتى هذه اللحظة، ففي نحو 70% من حالات الإصابة، و التي تبلغ على مستوى العالم ما يقرب من 50 مليون مريض بالصرع، 90% منهم في الدول النامية، لا يعرف الأطباء سببا لزيادة النشاط الكهربائي في المخ عن معدله الطبيعي. و غالبًا ما يصيب الصرع الأطفال، أو كبار السن فوق الخامسة و الستين، لكن هذا لا يعني أنه مقصور علي هذه الفئات، فأي شخص في أي مرحلة عمرية معرض للإصابة بالصرع.
و بسبب الفهم الخاطئ لحالة الصرع و الأسباب المؤدية له يعاني الأشخاص المصابون بالصرع من العزلة الاجتماعية. فالمجتمع ينظر إلى مرضى القلب و الربو و الأمراض المزمنة الآخرى بالرأفة و العطف و الاستعداد للمساعدة، و لكنه ينظر للمصابين بالصرع بالريبة و الشك و الخوف فيتجنبهم و يجعلهم في عزلة عنه.
و نتيجة لذلك يضطر المصاب بالصرع أو أقاربه الابقاء على حالته سرًا و في طي الكتمان قدر الامكان؛ تجنبا لتلك النظرة الاجتماعية الخاطئة. هذا بالاضافة إلى انتشار الفكرة الخاطئة عن الصرع بأنه شديد الأثر على المصاب و أنه قد يؤدي للوفاة, إلا أن واقع الأمر أن الصرع مثله مثل باقي الأمراض الجسدية الأخرى فمنه الخفيف و المتوسط و القليل منه الشديد. و مع تطور الطب بدأ العلماء التعرف على جوانب كانت مجهولة في وظائف المخ و كيفية حدوث الصرع و ما زالت هناك جوانب أخرى يجهلها الانسان.
إن الصرع بحد ذاته لا يؤدي للوفاة، لكن قد يفعل إذا تكررت أو استمرت التشنجات الصرعية لأكثر من ثلاثين دقيقة، ما لم يتم إسعاف المصاب بالعلاج المناسب، إلا أن مثل هذه الوفيات نادرة الحدوث. أما حالات الوفاة الأكثر حدوثا فهي تلك الناجمة عن الأخطار أو الحوادث التي تتم عندما تحدث النوبة لشخص في وقت غير متوقع فيه حدوثها وفي وضع شديد الخطورة.
و رغم التقدم الكبير في علوم الطب، فإن الصرع ما زال من الأمراض التي ليس لها علاج ناجع، بل إن كل أدوية علاج الصرع هي لتخفيف حدة النوبات، و ليس لإخماد البؤرة الصرعية، و التي قد يضطر الطبيب – في الحالات المستعصية – للتدخل جراحيًا لإزالتها. و رغم هذا، فإن هذه الأدوية المهدئة و التي تصنف كأدوية "سيطرة" على الأعراض، تحقق نجاحًا كبيرًا، و ربما تصل بالمريض إلى مستوى يقترب من الشفاء الكامل.
الصرع في اللغة
اشتقت كلمة الصرع من مادة "ص ر ع"، و حسب القاموس المحيط فإن الصَّرْعُ، ويكسرُ، هو الطَّرْحُ على الأرْضِ، و لأن أعراض الصرع العام الذي كانت تعرفه العرب تشتمل علي الطرح أرضًا من شدة التشنجات، فقد اشتق اسم الداء منها.
و يعرف القاموس المحيط الصرع كالآتي:
" الصَّرْع (مصدرٌ)، و عند الأطَّباء علةٌ تمنع الأعضاء النفسانيَّة عن أفعالها منعًا غير تامٍ و سببها سدَّةٌ غير تامَّةٍ، بخلاف السكتة، تعرض في البطن المقدَّم من بطون الدماغ واقفة في مجاري الأعصاب المحرّكة للأعضاء فتمنع الروح النفسانيَّ من السلوك فيها سلوكًا طبيعيا فتتشنجَّ الأعضاء و تحدث فيها رعدةٌ و حركاتٌ مختلفة. و قد تُسمىَّ هذه العلَّة امَّ الصّبيان لكثرة عروضها لهم. و قد يقال لها المرض الكاهنيُّ. قال الطَبَريُّ وأبو الفَرَج لأن من المصروعين من يتكَّهن ويرجم بالغيب. فإن كان سدَّة الدماغ تامَّة فتلك السكتة. "
و رغم الدقة النوعية في هذا التعريف، فقد أخبر على الأقل بإنه ينتج عن خلل في الأعصاب أو "انسداد في مجاريها"، نجد أن معجم منن اللغة يعرف الصرع بأنه داء يشبه الجنون ، و يقال: صُرع بمعنى جُنّ فهو صريع و الصريع هو المصروع أو المجنون، و هذا بسبب الاعتقاد في مس الجن و الشياطين و الأرواح الشريرة. الاعتقاد نفسه جعل الكلمة في الإنجليزية تشتق من كلمة إغريقية تعني "تعرض لهجوم" Epilepsy.
و ربما كانت تسمية الصرع بهذا الاسم أحد الأسباب التي جعلت منه كابوسًا على المرضى، فوقع الاسم، و اشتقاقاته اللغوية كلها تعني الإذلال أو الوقوع أو فقدان السيطرة، و من هنا ينادي بعض الأطباء بتغيير هذا الاسم لاسم آخر، يعبر عن الحالة و في الوقت ذاته لا يجرح مشاعر المرضى أو يستثير مخاوف من حولهم، و لعل أحد هذه المحاولات ما نعرفه جميعًَا من إجابة الطبيب بأن المريض "مصاب بزيادة في كهرباء المخ" بدلاً من إن يقول إنه مصاب بالصرع.
الصرع عبرالتاريخ
الصرع مرض قديم معروف عبر التاريخ، و بسبب الأعراض السريرية المختلفة "غير العادية" العنيفة و المخيفة في بعض الأحيان، أعطى القدماء للصرع تعليلات عديدة " فوق طبيعية " تثير الخوف من هذا الداء و النفور من المصابين به.
فمن جهة ذهب اليونانيون لاعتباره من صنع قوى حارقة إلهية، و أطلقوا عليه اسم المرض المقدس أو الإلهي. فكان مريض الصرع يعالج معالجة خاصة، إذ يؤخذ للمعبد فيغسل و يدهن بالعطور و الزيوت و يؤمر بالصيام، و أداء طقوس خاصة و تقديم القرابين للآلهة الناقمة لكي تصفح عنه (كما كان يتم في معبد اسكوليبوس). و بنفس المنحنى اعتقد اليهود أن عدداً من الأمراض، و من ضمنها الصرع و الجنون، ما هي إلا عقاب للمذنبين، و بالتالي كان على المريض أن يكفر عن آثامه و يطلب التوبة سعيًا للشفاء.
من جهة أخرى اعتقد آخرون أن المسبب للصرع هي قوى شريرة تسيطر على المريض و تلغي إرادته، و بالتالي يتمثل العلاج في مساعدته على التخلص من هذه القوى و طردها من داخله. فهنود قبائل الأنكا مثلاً كانوا يقومون بإحداث ثقوب في جمجمة المريض بهدف إخراج الشياطين و الأرواح الشريرة منها.
لكن لابد أن نذكر أن عدداً من الأطباء القدماء، بدءًا من أبوقراط و وصولاً لأعلام الطب الإسلامي، كابن سينا و الرازي قابلوا هذه التفسيرات غير الطبيعية للصرع بتفسيرات علمية من حيث المبدأ، أي على أنها حالات تنجم عن اضطراب دماغ الإنسان و عقله، و بالتالي توجهوا في علاجهم نحو "تهدئة الدماغ و تطمين العقل" بل و "زرع الثقة في نفس المريض" !. و لكن حتى هؤلاء بقوا يضعون الصرع في نفس مجموعة الأمراض العقلية المعروفة بالجنون، مثلهم في ذلك مثل بقية الأطباء في ذلك الوقت، و لذلك بقي الجنون أحد المعاني المتداولة للصرع، كما أسلفنا سابقًا.
طبيبان يقومان بعلاج مريض بالصرع (القرن الثاني عشر) - كان العلاج المعروف في ذلك الحين هو الكي أو التربنة (فتح الجمجمة)، و هما العلاجان اللذان يتلقاهما المريض في هذه الصورة
و كان يعاني من داء الصرع الملوك والنبلاء حتى أطلقوا عليه قديما "مرض العظماء"، فالقائد الشهير الإسكندر الأكبر واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر التاريخ. و يوليوس قيصر، أحد أكثر الرجال نفوذًا في التاريخ، كان أيضا من المصابين بمرض الصرع، و كذلك القائد القرطاجي الشهير هانيبال. الملك ألفريد الأكبر الذي مهد للوحدة الإنجليزية، و الذي تصدى لهجمات قبائل "الفايكينج" المتتابعة على شمال أوروبا، كان أيضًا مصابًا بالصرع، و رغم ذلك لم ينقذ بريطانيا من الإبادة سوى عبقريته؛ و القائمة تطول.
و قد ورد ذكر الصرع في النصوص الإغريقية القديمة و في الإنجيل. و لم تكن هناك دراسات جادة إلا في أواسط التاسع عشر، إذ كان السير تشارلز لوكوك أول من أوجد المسكنات التي ساعدت على التحكم بالنوبات في عام 1857م. و في عام 1870م قام جون جاكسون بتحديد الطبقة الخارجية للمخ، أي القشرة المخية، و عرّفها بأنها ذلك الجزء المعني بالصرع. و أوضح هانز برجز في عام 1929م بأن هناك إمكانية لتسجيل نبضات المخ البشري الكهربائية، فيما يعرف برسم المخ الكهربي EEG.
و في وقتنا الحاضر، نجد أن الأبحاث الطبية قد تقدمت فيما يتعلق بتشخيص و علاج مرض الصرع تقدمًا ملحوظًا، حيث تم تسجيل نوبات الصرع و النوبات الأخرى على أشرطة الفيديو، و ذلك باستخدام الدوائر التلفزيونية المغلقة، و تسجيل تخطيط المخ الكهربائي عن طريق الأجهزة، مما أدى إلى تفهم الأنواع المختلفة من النوبات تفهماً عميقاً.
تشريح المخ
حتى يتسنى لنا فهم حقيقة الصرع، و الوقوف على أرض ثابتة بشأنه، ينبغي علينا أن نعرف أولاً تشريح الجهاز العصبي، و المخ تحديدًا، بصورة مبسطة، لأن الصرع كما قلنا هو اضطراب في كهرباء المخ، كما أن تحديد المكان الذي يحصل منه تفريغ كهربائي من المخ له أهمية تشخيصية في مرض الصرع.
و هذه محاولة بسيطة و متواضعة للتعرف على شرح تركيب المخ البشري، و ما تحتويه الجمجمة البشرية من أعظم جهاز يقع عليه عبء التحكم و السيطرة على جميع وظائف الجسم المختلفة، سواء كانت هذه الوظائف حركية أو حسية، أو فكرية إبداعية.
بداية نتحدث عن الجهاز العصبي بشكل عام، و الذي هو جزء منه المخ. ينقسم الجهاز العصبي إلى قسمين رئيسين :
الجهاز العصبي المركزي Central Nervous System CNS.
الجهاز العصبي الطرفي Peripheral Nervous System.
الجهاز العصبي في الإنسان و أقسامه
وحدة بناء الجهاز العصبي هي العصبون أو الخلية العصبية Neuron، و يتكون العصبون من جسم Cell Body و محورAxon ، و يحتوي جسم الخلية على نواة الخلية، و يبرز من سطحة تغصنات أو تشعبات للخارج Dendrites لها علاقة في إستقبال أو نقل الإشارات الكهربائية, حيث يستقبل جسم العصبون الإشارات الكهربائية (العصبية) من العصبونات الأخرى عن هذه طريق التغصنات.
محور العصبون Axon هو عبارة عن إمتداد يخرج من جسم الخلية، و ينقل الإشارات الكهربائية من العصبون. و المحور مُغلف من الخارج بصفائح المايلين (النُخاعين(Myelin Sheaths ، و هي عبارة عن مادة عازلة للمحور و ضرورية لنقل الإشارات الكهربائية فيه.
يتكون الجهاز العصبي المركزي في الإنسان من الدماغ Brain و النخاع الشوكي أو الحبل الشوكي Spinal Cord ، و يتكون الدماغ من:
المخ Cerebrum .
جذع المخ Brainstem و الذي يتضمن الدماغ الأوسط Midbrain و الجسر Pons و النُخاع المستطيلMedulla Oblongata .
المُخيخ Cerebellum .
و في المخ تكون أجسام العصبونات مُتركزة في الطبقة الخارجية (قشرة المخ (Cerebral Cortex و يكون لونها رماديًا و لهذا تُسمى المادة الرمادية Grey Matter و محاور العصبونات موجودة في الداخل و يكون لونها أبيض و لهذا تُسمى المادة البيضاءWhite Matter . و في الحبل الشوكي يكون العكس المادة البيضاء (محاور العصبونات) في الخارج و المادة الرمادية (أجسام العصبونات) في الداخل.
و بعد هذه المقدمة البسيطة، ينبغي أن نعرف شيئًا عن فصوص المخ، و هو ما توضحه الصورة الآتية:
ما هو الصرع ؟
تحدثنا في المقدمة بشكل مختصر عن ماهية الصرع، لكن ما هو التعريف الطبي الدقيق للصرع ؟
يعرف الصرع بصفة عامة على أنه نوبات متكررة من تغير الإيقاع الأساسي لنشاط المخ، أو أنه نوبات متكررة من اضطراب بعض وظائف المخ النفسية أو الحركية أو الحشوية أو الحسية، التي تبدأ فجأة و تتوقف فجأة، و قد تكون مصحوبة بنقص في درجة الوعي الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد الغيبوبة. و بكلمات أخرى، يمكننا القول أنه اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ.
و ينشأ النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ من مرور ملايين الشحنات الكهربائية البسيطة من بين الخلايا العصبية في المخ، و أثناء انتشارها إلى جميع أجزاء الجسم. هذا النمط الطبيعي من النشاط الكهربائي من الممكن أن يختل بسبب انطلاق شحنات كهربائية شاذة متقطعة لها تأثير كهربائي أقوى من تأثير الشحنات العادية، و يكون لهذه الشحنات تأثير على وعى الإنسان و حركة جسمه و أحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن، و هذه التغيرات الفيزيائية تسمى تشنجات صرعية.
و قد تحدث نوبات من النشاط الكهربائي غير الطبيعي في منطقة محددة من المخ، و تسمى النوبة حينئذ بالنوبة الصرعية الجزئية أو النوبة الصرعية النوعية. و أحيانًا يحدث اختلال كهربائي بجميع خلايا المخ، و هنا يحدث ما يسمى بالنوبة الصرعية العامة أو الكبرى
و قد يتبادر إلى أذهاننا أن هذا المرض ينقص من العمر أو من الذكاء، أو يخرب الدماغ ، خصوصًا عندما نلاحظ حالة المريض أثناء النوبة، كأن يسقط لا إراديًا على رأسه أو يهتز اهتزازًا عنيفًا، لكن هذا الكلام ليس له أساس من الصحة، فنوبة الصرع، بصورة أو بأخرى، هي وسيلة حماية للمخ من الشحنات الزائدة التي إن بقيت، فقد تضره فعلاً.
[flash][/flash]
نوبة صرع كبرى - تم تصوير المريض أثناء "تقييم حالات الصرع الغير مستجيب للعلاج الدوائي لامكانية العلاج الجراحي"، كما سنعرف بعد قليل
تصنيفات الصرع
تعدد أنواع الصرع، و تختلف تقسيماته، و لا يوجد تقسيم واحد، تقريبًا، أتفق بشأنه الأطباء. و هناك ثلاثة أسس يمكن تقسيم و تصنيف الصرع وفقا لها، هي:
أولاً: التصنيف وفقًا للأسباب Etiological Classification
و يتم تقسيم الصرع هنا وفقا للأسباب التي أدت إليه، وتبعا لذلك يمكن تصنيف الصرع إلى الأنواع التالية:
صرع بدون سبب واضح Idiopathic
و يسمى أحيانا بالصرع الأولى Primary، و عادة لا يكون هناك سبب واضح يمكن عزو الصرع إليه. و تلعب الوراثة في هذا النوع دورًا كبيرًا، حيث يكون لدى الفرد استعداد وراثي -وجود جين سائد- يتسبب في حدوث النوبات لديه. و يشمل هذا التقسيم 75 % تقريبا من حالات الصرع على وجه العموم.
الصرع العرضي Symptomatic
و تكون حالات الصرع في هذا النوع نتيجة وجود سبب واضح، أو تكون عرضًا لهذا السبب (وجود ورم في المخ مثلا). وهنا يسمى الصرع صرعًا ثانويًا Secondary، أي أنه يحدث كنتيجة ثانوية لسبب آخر. و يشمل هذا النوع 25 % تقريبًا من الحالات.
ثانيا: التصنيف السريري Clinical
و يتم التصنيف هنا وفقا للصورة السريرية التي تظهر على المريض أثناء حدوث النوبة، و يمكن تقسيم الصرع وفق هذا الأساس إلى ما يلي:
صرع كلى Generalized
و يشير هذا التقسيم إلى حدوث أعراض سريرية نتيجة وجود اضطراب عادة ما يكون في نصفي المخ. ويتميز الصرع هنا باضطراب في درجة وعى المريض. ويشمل هذا الصرع الكلى تقسيما فرعيا آخر يتضمن ما يلي:
نوع غير تشنجي Non Convulsive: و من أمثلة ذلك ما يسمى بنوبات الصرع الصغرى Petit Mal أو نوبات الغياب Absence. و يصحب هذا النوع اضطراب في الوعي يستمر ثوان معدودة، و قد يصحبه حركات أو اختلاجات بسيطة في عضلات الوجه و الأطراف.
نوع تشنجي Convulsive: و هو نوبات الصرع الكبرى Grand Mal الذي يتكون من مرحلتين الأولى المرحلة التوترية Tonic التي يحدث فيها توتر أو شد في كل عضلات الجسم، و يفقد المريض فيها وعيه ويسقط على الأرض إذا كان واقفًا، و تلي هذه المرحلة المرحلة الارتجافية Clonic، و التي تتقلص فيها العضلات و تحدث فيها التشنجات. و فيها قد يعض المريض لسانه، أو يتبول على نفسه - إذا كانت المثانة ممتلئة بالبول - كما يخرج من فم المريض الزبد أو رغوة اللعاب. و بعد ذلك تتوقف هذه التشنجات، و ترتخي عضلات المريض، و يدخل في نوم عميق أو يفيق مصحوبًا بنسيان لما حدث له، مع درجة أو أخرى من الصداع. و في حالات نادرة قد تتكرر النوبات وتتلاحق دون أن يسترد المريض وعيه، و تسمى الحالة هنا بالنوبة الصرعية المستمرة Status Epilepticus.
و من أمثلة هذا النوع أيضا صرع ارتجاف العضلات Myoclonic Epilepsy ، وقد تكون في مجموعة واحدة من العضلات أو تشمل العديد منها . كذلك نوبات الصرع التي تحدث في الأطفال نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم Febrile Convulsions.
الصرع الجزئي Partial
و في هذا النوع عادة لا يفقد المريض وعيه، و يكون السبب في مكان محدد من المخ، تتحدد وفقًا له طبيعة الأعراض التي تظهر على المريض أثناء النوبة. و يشمل هذا النوع من الصرع الأنواع الفرعية التالية:
الصرع البسيط Simple: وتتوقف الصورة الإكلينيكية على مكان البؤرة النشطة في المخ، فقد تكون في الفص الحسي ، أو الفص الحركي ...إلخ . ويشمل هذا النوع ما يلي :
الصرع الحسي Sensory Fits : و هو نوبات موضعية تثير الأجزاء المختصة بالإدراكات الحسية في قشرة المخ. و قد تظهر النوبة في شكل تنميل ، أو الإحساس بالبرودة أو السخونة ، أو يسمع المريض أو يرى ، أو يشم أو يتذوق دون أن توجد مثيرات لهذه الاستجابات الحسية (هلاوس حسية أو سمعية أو بصرية أو شمية أو تذوقية) . ومن أشهر هذا النوع النوبات المعروفة بنوبات جاكسون الحسية sensory Jacksonian fits.
الصرع الحركي Motor Fits : و يأخذ شكل اضطراب محدد في موضع معين من الجسم و ليس الجسم كله، و ذلك نتيجة استثارة جزء معين من القشرة المخية الحركية الموجودة في الفص الجبهي . و من أمثلته نوبات جاكسون الحركيةmotor Jacksonian fits، و فيها لا يفقد المريض وعيه مثلما يحدث في نوبات الصرع الكبرى، و هذه سمة مميزة لنوبات الصرع الجزئي بشكل عام.
الصرع الذاتي Autonomic: و فيه تكون الأعراض نتيجة استثارة الجهاز العصبي الذاتي ، و تشمل أعراضه مظاهر اضطراب هذا الجهاز مثل حدوث ألم في المعدة ، أو الشعور بالغثيان أو القىء، مع شحوب الجلد و خاصة الوجه، و العرق الشديد، و إتساع حدقة العين ... الخ.
الصرع المعقد Complex: و فيه قد يضطرب وعى المريض بدرجة أو بأخرى، بالإضافة إلى مجموعة من الأعراض المعقدة و المتداخلة. و يعد الصرع النفسي الحركي أكثرها شيوعا. و قد يكون الصرع من النوع الحركي، أو النفسي، أو الأثنين معا. و قد يكون من النوع الذي تظهر فيه أعراض اضطراب الجهاز العصبي الذاتي. و من أمثلة هذا النوع ما يلي:
الآلية Automatism: و يشير اللفظ إلى حدوث مجموعة من الأعراض الحركية اللاإرادية التي تتسم بدرجة ما من الانتظام أو التناغم، وعادة ما تحدث هذه الأعراض كجزء من النوبة الصرعية، أو بعد حدوث النوبة، و هي تحدث في حالة من اضطراب الوعي. و قد تكون حالة الآلية بسيطة في صورة استمرار النشاط الذي كان يقوم به المريض قبيل حدوث النوبة، أو تظهر أعراض جديدة ترتبط باضطراب الوعي الحادث للمريض. و قد يظهر سلوك يتسم بالطفلية، أو العدوانية، أو البدائية. و يمكن أن تشتمل أعراض الآلية على حركات مرتبطة بالطعام (المضغ أو البلع دون وجود طعام في فم المريض)، أو إظهار سلوك يعبر عن الحالة الانفعالية للمريض و خاصة مشاعر الخوف، ... إلخ.
أعراض نفسية: و تشمل أعراض اضطراب العمليات المعرفية ، أو الوجدانية ، أو الإدراكية.
ثالثا: التصنيف وفق رسام المخ Electroencephalographic
و في هذا التقسيم يتم تصنيف الصرع حسب التغيرات التي يظهرها رسام المخ الكهربي، و التي عادة ما تحدد موضع الاضطراب في المخ. و يشمل هذا التصنيف ما يلي :
صرع موضعي بالقشرة المخية Focal Cortical: و فيه يكون الاضطراب محددًا في مكان بعينه من قشرة المخ، تنتج عنه الأعراض المختلفة للنوبة التي تتوقف على طبيعة نشاط هذه المنطقة و الوظائف المسئولة عنها.
صرع ما تحت القشرة المخية Subcortical: و فيه تكون البؤرة النشطة المتسببة في حدوث الصرع تحت قشرة المخ، أي في مكان عميق و ليس سطحيًا، و عادة ما تكون في نصفي المخ، و يسمى صرع مركزي Centrencephalic .
صرع منتشر في المخ Diffuse Cerebral: و فيه تنتشر البؤرة الصرعية في أكثر من مكان، أي يكون الاضطراب خليطا من الضطراب القشرة المخية
رسم المخ الكهربي - الطبيعي (للأعلى) و لمريض أثناء نوبة صرع عامة (بالأسفل
[img]http://knol.google.com/k/-/-/a0e3f4xn4b5x/6n6dnn/1103544.jpg[/img[]
الأسباب الرئيسة لمرض الصرع
نتحدث هنا عن الصرع الثانوي، و ليس الأولي، فالأولي غالبًا ما يكون مجهول السبب، أو تتدخل فيه عوامل وراثية، فهناك بعض العائلات التى تتوارث مرض الصرع، لكن هذه لم تتكشف حتى الآن بشكل واضح.
إصابات الرأس: مثل حدوث ارتجاج بالمخ (فقدان وقتى للوعى)، و هو يعتبر إصابة بسيطة للرأس و تسبب زيادة فى نسبة حدوث مرض الصرع. بينما تكون الإصابات الشديدة للرأس مع حدوث فقدان للوعى لمدد طويلة، و كذلك حدوث نزيف للمخ من الأسباب الرئيسية لاحتمال حدوث نوبات صرع
التهابات المخ: مثل الالتهاب السحائى و التهاب المخ أو حدوث خراج بالمخ
حدوث سكتة مخية بجزء من المخ: مما يسبب حدوث نقص فى تدفق الدم لجزء من المخ أو حدوث نزيف بالمخ
الإدمان: قد تحدث نوبة صرعية فى مرضى الإدمان إذا تعاطوا جرعات عالية من الكحوليات، أو عند الأيام الأولى للتعاطى
أورام المخ: قد تكون نوبة الصرع الأولى هى أول علامة من علامات حدوث ورم بالمخ، لذلك فإن عمل الأشعة المقطعية و الفحوصات الأخرى هى جزء هام للمريض الذى يعانى من أول نوبة من الصرع فى الكبر
التخلف العقلى
الجنس: نسبة حدوث مرض الصرع تكون أعلى فى الذكور عنها فى الإناث
الأعراض و التشخيص
تتوقف الصورة السريرية لنوبة الصرع على مكان البؤرة الصرعية Epileptic Focus النشطة التي تنبعث منها الموجات الكهربية المضطربة، كما تتوقف أيضا على شدة هذه الموجات و مدى انتشارها. و لذلك فإن ما يحدث أثناء النوبة الصرعية يختلف بشكل أساسي في كل نوع ، ففي بعض النوبات لا يحدث للمريض إلا فقدان للوعي بشكل مفاجئ، و قد يصاحب ذلك أو لا يصاحبه اختلاجات عضلية شديدة في اليدين أو القدمين أو كل عضلات الجسم. و في البعض الآخر قد يظهر لدى المريض مجرد نظرة زائغة Dazed Lock، و في البعض الثالث قد يمر المريض بخبرة هلوسية Hallucinatory Experience، أو تحدث له خداعات بصرية Visual Illusions، أو تظهر لديه انفعالات شديدة دون سبب واضح، كما يمكن أن تحدث كل هذه الأعراض مجتمعة.
و فيما يلي سرد لبعض الأعراض حسب نوع الصرع :
أعراض النوبة الجزئية البسيطة:
يحافظ المصاب على اتصاله بالواقع
يعاني من مشاكل متفرقة ( صعوبة في الكلام بطريقة سليمة ، تقلصات و ارتعاشات الأعضاء ، تحرف صوتي وبصري)
مشاكل في الحواس ( شم وذوق مختلف)
مشاكل في المعدة
إحساس بالغم والخوف
مدة النوبة من ثواني إلى ثلاث دقائق
أعراض النوبة الجزئية المعقدة (أو نوبة الانفصال):
فقدان ظرفي للاتصال مع الواقع
آلية وتلقائية المصاب حيث يقوم مثلا بحركات بغير هدف و يتمتم و يظهر حركات المضغ
لا يحتفظ المصاب بأي ذكرى من النوبة
مدة النوبة من ثواني إلى ثلاث دقائق[img] [img]http://knol.google.com/k/-/-/a0e3f4xn4b5x/6n6dnn/1103544.jpg[/img[][/img]
[flash][/flash]
أعراض النوبة العامة:
فقدان الوعي و السقوط
تصلب عضلي عام
تشنج واختلاج إيقاعي
كثرة الإفرازات اللعابية
غيبوبة و استرخاء عضلي، و قد يحدث معه تبول أو خروج براز
غالبا ما يكون هناك تقيئ
ارتباك عند اليقظة
لا يحتفظ المصاب بأي ذكرى من النوبة
مدة النوبة 3 أو 4 دقائق لكن أحيانا يمكن انتظار 20 دقيقة قبل الرجوع إلى الحالة الأصلية
و يعتمد الطبيب المعالج في التشخيص أساسًا على:
الوصف التفصيلي للنوبات الصرعية من قبل الأقرباء أو الأصدقاء الذين شاهدوا حدوث النوبة الصرعية (خصوصا عند صغار السن)، أو من المصاب البالغ نفسه إن لم تكن النوبة الصرعية قد سببت فقدان الوعي.
إجراء تخطيط موجات المخ الكهربائية، و الذي بذاته لا يشخص أو ينفي حالة الصرع، و لكنه ذو فائدة في تحديد نوع النوبات الصرعية و قد يساهم في تحديد نوع العلاج.
بعض الفحوصات مختبرية التي يتم إجراءها (دم، بول .. إلخ) لتقييم الوضع الصحي للحالة قبل بدء العلاج.
فحص المخ بالأشعة، كالأشعة المقطعية (C.T. Scan) أو أشعة الرنين المغناطيسي(MRI) ، و قد يستعين بها الطبيب المعالج لتقييم حالة المريض للتأكد من عدم وجود مرض مسبب للصرع إن كان هناك شك في ذلك.
الصرع و الحمل
ترتبط حياة كل فتاة بحلم الزواج و إنجاب الأطفال ، و يزيد من رغبتها في تحقيق هذا الحلم العائلة و الأصدقاء، لذلك فأنه من غير الطبيعي و المخالف للغريزة الأنثوية إقناع الفتيات الصغيرات بأنهن لا يستطعن تحقيق هذا الحلم. و من المحزن أن هذا ما كان يحدث لسنوات عديدة للفتيات اللاتي يعانين من الصرع، إذ كان هناك اعتقاد خاطئ بأنهن لا يستطعن الحمل بأمان أو أن الأطفال الذين سينجبن لن يكونوا بصحة جيدة، الأمر الذي كان يعيق تلك الفتيات عن ممارسة حياتهن بشكل طبيعي.
إن التطور في المعرفة و الرعاية الطبية للأشخاص المصابين بالصرع، و ارتفاع مستوى الوعي لدى عامة الناس غيرت الكثير من هذه المفاهيم، فنحن نعرف الآن أن أكثر من 90% من النساء المصابات بالصرع يستطعن الحمل وإنجاب أطفال أصحَّاء.
يصنف الحمل بالنسبة للمرأة التي تعاني من الصرع كحمل عالي الخطورة، و هذا يعني أن العناية الطبية الخاصة و المتابعة المنتظمة مهمة لتحقيق أفضل نتيجة للأم والجنين. و تجدر الإشارة إلى أن فاعلية أقراص منع الحمل تتأثر بالأدوية التي تستخدم لعلاج نوبات الصرع، فالأدوية المقاومة للصرع و خاصة فينوباربيتال ، ديلانتين (فينيتوين)، تيجريتول (كاربامازيمبين) تعمل على تقليل نسبة الاستروجين الفعال (أي الاستروجين الذي يمكن أن يقوم بوظائفه كاملةً) في الدم، و ذلك عن طريق زيادة تمثيله في الجسم، لذلك فإنه من الضروري تناول أقراص منع الحمل التي تحتوي على نسبة أعلى من الاستروجين، أو استخدام وسائل أخرى لمنع الحمل .
إن التحكم الجيد في نوبات الصرع ضروري للحصول على حمل أكثر أمانًا، فلا يوصى بالحمل للنساء اللاتي يتعرضن لنوبات صرع متكررة أو حادّة.
إن الأدوية المقاومة للصرع لها تأثير على الجنين، و قد يستغرق الأمر من أخصائي المخ والأعصاب وقتًا حتى يتمكن من تحديد علاج يتحكم في نوبات الصرع وفي الوقت نفسه لا يشكل خطراً على الجنين قدر الإمكان .و قد تسمع السيدة الحامل الكثير من الأقوال من الأصدقاء الأقارب، و أحيانًا الأطباء، عن أن تناول أدوية الصرع سيؤدي حتما إلى إنجاب طفل مشوه أو متخلف عقليا، و لكن الحقيقة تثبت أن نسبة كبيرة من الأمهات اللاتي تناولن أدوية الصرع أثناء فترة الحمل أنجبن أطفال طبيعيين. إن خطورة الضرر الذي ممكن أن يحدث نتيجة نوبات صرع متكررة أو حادة يفوق كثيرًا الخطورة المتوقعة من تناول الأدوية.
يمكن أن يحدث التشوه الخلقي لأي طفل، و يحدث بنسبة 2 إلى 3% في الحمل الطبيعي، إذا تعرض الجنين للأدوية المقاومة للصرع في الرحم فإن هذه النسبة تزيد إلى 4 -6%. على الرغم من أن هذه النسبة تعتبر ضعف النسبة الطبيعية، فلا يجب اعتبار هذا سبب لتجنب الحمل، فكل هذه التأثيرات تحدث في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل.
كل أدوية الصرع لها علاقة بزيادة خطورة حدوث تشوهات خلقية بسيطة أو خطيرة، و تزداد هذه الخطورة إذا كانت المرأة تتناول أكثر من نوع واحد من الدواء، فمعظم الدراسات عن التشوهات الخلقية التي تسببها الأدوية بنيت على أساس أبحاث أجريت على نساء يتناولن أكثر من دواء واحد .و لذلك من المهم أن يكون العلاج عبارة عن دواء واحد فقط، قدر الإمكان.
يتعرض حوالي 25 إلى 30% من النساء المصابات بالصرع لزيادة في نوبات الصرع أثناء فترة الحمل، و إلى الآن لا توجد طريقة لمعرفة من هي المرأة الأكثر عرضة لحدوث هذه الزيادة. بعض الدراسات تبين أن النساء اللاتي يكون التحكم في نوبات لصرع لديهن ضعيفًا قبل الحمل هم الأكثر قابلية لهذه الزيادة. دراسات أخرى تشير إلى أن النساء اللواتي يعانين من (صرع جزئي مركب) من الممكن أن يكن في وضع أخطر من اللاتي يعانين من (صرع عام أولي)، كما لوحظ أن هناك زيادة في نوبات الصرع في فترات الحمل الأولى و الثانية و آخر الثالثة، لذلك فعلى المرأة الحامل أن تتابع مع طبيب المخ والأعصاب شهريا أثناء فترة الحمل وأن تبلغه في الحال عن أي زيادة في نوبات الصرع.
و يعتبر التشنج التوتري والحركي العام أو الصرع الكبير من أخطر أنواع الصرع الذي يحدث أثناء فترة الحمل ويضع الجنين في حالة حرجة، كما يمكن أن يسبب سقوط الأم أثناء فترة الحمل نزيفًا و إجهاضًا للجنين، و قد يؤثر على التنفس، و إذا كانت الأم و الجنين يعانين من نقص في الأكسجين فأن ذلك قد يؤثر على نمو الجنين وخصوصا نمو منطقة المخ.
الصرع و الصيام
رمضان هو شهر الخير و البركة، صيامه فرض واجب على كل مسلم و مسلمة ما لم يكن هناك مانع أو حائل شرعي يحول دون ذلك. و الصرع مهما بلغت شدته أو تكررت نوباته لا يعتبر حائل للمصاب به دون الصيام إذا قام بإتباع تعليمات طبيبه.
فالمصاب عادة ما يعتمد في علاجه على تناول نوع أو أكثر من الأدوية المضادة للصرع، تؤخذ على جرعتين أو أكثر على حسب إرشادات الطبيب، اعتمادًا على عمره و وزنه و نوع التشنجات و شدتها، و مستوى الدواء في الدم، و نوع و جرعة أدوية الصرع الأخرى التي يتناولها.
و قد يلجأ الطبيب في رمضان إلى تقسيم الجرعة اليومية نفسها إلى جرعتين بدلا من ثلاث جرعات لتؤخذ بعد الإفطار و قبل السحور، و في حالات معينة يستلزم أخذ نفس عدد الجرعات التي كانت تؤخذ قبل رمضان و يتم تقسيمها على فترات متساوية ما بين الإفطار و السحور. و يعتبر هذا النظام الدوائي هو الأفضل لتفادي حدوث زيادة في النوبات خلال شهر رمضان.
و من الأهمية بمكان التنبيه إلي ألا يجمع المريض كل الجرعات في جرعة واحدة، في محاولة منه لتلافي احتمالية أن يفطر كي يأخذ الدواء، لأن ذلك حتمًا سوف يؤدى إلى حدوث تسمم في الدم، و الأفضل هو مراجعة طبيب الأعصاب و مناقشته حول أفضل نظام دوائي لإتباعه أثناء شهر رمضان .
و إن لم يقدر المريض على الصيام، لاستحالة التحكم في النوبات بنظام دوائي لا تكون فيه جرعات في وقت الصوم، جاز الفطر و وجب القضاء عند الاستطاعة و الإمكان، و إن حكم الطبيب الثقة بأن داءه لا يرجى شفاؤه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً مدًا من طعام، و قدره 750 جراماً تقريباً من الأرز و نحوه، والله أعلم.
علاج الصرع
العلاج الدوائي
يتم علاج الصرع بعدة طرق، أهمها العلاج بالعقاقير المضادة للتشنج، و نادراً ما نلجأ للجراحة كعلاج للنوبات الصرعية المتكررة. و العلاج بالعقاقير هو الخيار الأول والأساسي . و هناك العديد من العقاقير المضادة للصرع، و هذه العقاقير تستطيع التحكم في أشكال الصرع المختلفة، و قد يحتاج المرضى الذين يعانون من أكثر من نوع من أنواع الصرع لاستخدام أكثر من نوع من أنواع العقاقير، و ذلك بالرغم من محاولة الأطباء الاعتماد على نوع واحد من العقاقير للتحكم في المرض.
و لكي تقوم هذه العقاقير المضادة للصرع بعملها في التحكم في المرض يجب أن نصل بجرعة العلاج لمستوى معين في الدم، كما يجب أن نحافظ على هذا المستوى في الدم باستمرار، و لذلك يجب الحرص على تناول الدواء بانتظام، و الالتزام الكامل بتعليمات الطبيب المعالج، لأن الهدف من العلاج هو الوصول إلى التحكم في المرض بإذن الله مع عدم حدوث أي أعراض سلبية من تناول تلك العقاقير مثل النوم الزائد و ضعف التركيز و غيرها.
من النادر أن تستعمل الأدوية المضادة للصرع بعد النوبة الأولى، حيث إن تشخيص الصرع يقتضي حدوث نوبات متكررة, و لكن وجود التغيرات الكهربائية الشديدة و الخاصة بالصرع قد تكون دافعاً على بدء العلاج. و عندما تكون النوبات من النوع التوتري الارتجاجي Tonic – clonic seizures فإن استخدام العلاج المضاد للصرع يكون بعد حدوث النوبة الثانية، فيما عدا حالات الصرع الكبير غير المكتمل الصورة Oligo grand mal epilepsy.
و تتم السيطرة على معظم النوبات الصرعية نتيجة استعمال الأدوية المقاومة للصرع. حوالي 50% من الذين يتناولون هذه الأدوية تنتهي النوبات لديهم وحوالي (30) بالمائة منهم تقلّ درجة تكرارها لديهم لدرجة يمكنهم معها العيش والعمل بشكل اعتيادي، أما الـ 20% المتبقية فهي إما حالات مستعصية للعلاج، أو أنها بحاجة إلى جرعات أكبر للسيطرة على النوبات
و يكون بدء العلاج بمضادات الصرع ضرورة في الحالات الآتية:
التشنجات في الأطفال حديثي الولادةNeonatal seizure .
التقلصات الطفوليةInfantile spasm .
الصرع الارتجاجي المعجز عن الوقوفMyoclonic astatic epilepsy .
الصرع الخفيفPyknoleptic petit mal epilepsy .
الصرع الصبياني العضلي الارتجاجيJuvenile myclonic epilepsy ، و الذي يعرف باسم الصرع الخفيف النابض Impulsive petit mal ، و المصحوب بنوبات الصرع الكبير.
و أما في أنواع الصرع الجزئي أو الثانوي العام Petit mal or secondary generalized سواء كانت النوبات حركية أو حسية motor and sensory فإن دواعي الاستعمال في مثل هذه الحالات يعتمد على مدى تكرار النوبات، و هذا ينطبق أيضاً على حالات الصرع الجزئي المركبةComplex partial seizure .
و من الأفضل محاولة بدء العلاج بدواء واحد فقط، و إذا ثبت أن هذا الدواء غير فعال، حتى و لو كان تركيزه في الدم عالياً أو فوق المعدل العلاجي، فإنه بالإمكان إضافة دواء آخر للعلاج. و إذا وصلنا إلى التحكم و السيطرة على النوبات الصرعية، نبدأ في سحب Withdrawal الدواء تدريجياً من علاج المريض، و هو ما يعني تقليل الجرعات تدريجياً إلى أن يتم التوقف عن استعماله.
و لم يلاحظ حتى الآن أي تأثير مقوٍ بين الأدوية المضادة للصرع في حالة تناولها مع بعضها البعض، أي أنه عند تناول أكثر من دواء مضاد للصرع، فإن أحد الأدوية لا يقوي من مفعول أو تأثير الدواء الآخر.
و كوسيلة للتأريخ، و المساعدة في تتبع المرض، يجب على المرضى دائماً تسجيل النوبات في تقويم خاص بذلك مع تسجيل قائمة الأدوية الموصوفة لهم وجرعاتها. إن وجود صندوق يحتوي على الجرعات اليومية من الأدوية المضادة للصرع لمدة أسبوع قادم يساعد على التقيد بانتظام تعاطي الدواء في الوقت المحدد، و هي المشكلة التي تواجه الكثير من الأطباء، إذ يتغاضى بعض المرضى عن أخذ الأدوية بانتظام، ما يسبب انتكاسات خطيرة، رغم معرفة المريض بضرورة تناول الدواء في موعده المحدد.
و لتفادي الآثار الجانبية للدواء، و التي قد تظهر عندما يتخطى تركيز الدواء في الدم النسبة أو المعدل العلاجي Therapeutic level، و يتخطاه إلي مستوى التسمم بالدواء .. لتفادي هذا يتعين قياس تركيز نسبة الدواء في الدم بشكل دوري. و يساعد هذا على ضبط الجرعات الدوائية الموصوفة عند بداية العلاج، و بمعنى آخر يمكن أن نعرف متى يصل تركيز الدواء في الدم إلى المعدل العلاجي عندها نبدأ في تخفيض الجرعات.
و تختلف المدة التي يجب بعدها قياس نسبة الدواء في الدم من عقار لآخر، ففي حالة عقار الفينيتوين Phenytoin و عقار الكاربمازبين Carbamazepine والإيثوسوكسيميد Ethosuximide تتراوح من 7 – 10 أيام من بداية تعاطي العلاج، و في حالة عقار الفينوباربيتال Phenobarbital فهي ثلاثة أسابيع.
عقار الكاربامازيبين (تيجريتول)
عقار الاكسوثميد
و لا يعتبر التخطيط الكهربائي أداة لضبط سير العلاج، حيث أن التغيرات الكهربائية للمخ قد تختلف من آن لآخر، كما أنه ليس هناك أي تأثير للأدوية المضادة للصرع على تخطيط المخ الكهربائي، فنشاطها يقتصر على تثبيط البؤرة الصرعية ذات النشاط الزائد، و ليس تثبيط النشاط الكهربي للمخ بشكل عام.
العلاج الجراحي للصرع
إن العلاج التقليدي لمرض الصرع هو العلاج الدوائي الذي يقوم بتنظيم كهربائية المخ، و تهدئة و تسكين البؤرة الصرعية، و هو يفيد في حوالي 60 – 70 % من المرضي أما 30- 40 % من المرضي الذين لا يستجيبون للعلاج فهؤلاء لابد من إدخالهم برنامج "تقييم حالات الصرع الغير مستجيب للعلاج الدوائي لامكانية العلاج الجراحي". و تأجيل الجراحة في بعض الأحوال يـؤدي إلى تفاقم الحالة و تدهور النتائج المرجوة منها .
و طريقة التقييم تتمثل في توقف المريض عن تعاطي أدوية الصرع عند دخوله لمركز تشخيص الصرع، و يسمح للنوبات الصرعية بالحدوث و أثناء ذلك يكون المريض متصل بجهاز رسم المخ بالكمبيوتر علي مدار 24 ساعة، و كذلك يتم تسجيل جميع حركاته بواسطة كاميرات فيديو خاصة، و هذا ما يسمي تسجيل المخ بالكمبيوتر و الفيديو.
و عند حدوث النوبة يتم تسجيلها بواسطة كاميرات الفيديو، كما يتم تسجيل جميع التغيرات الكهربائية التي حدثت بالقشرة المخية منذ بداية النوبة حتى نهايتها و بتحليل هذه المعلومات، و خاصة مع تكرار النوبات يتم تحديد موضع منشأ النوبة الصرعية، أي موضع البؤرة الصرعية بدقة تامة. و في هذه الحالة يتم بواسطة الفريق الطبي المكون من أطباء أمراض المخ و الأعصاب و جراحة المخ و الأعصاب – يقوم هذا الفريق بمراجعة جميع معلومات ملف المريض، و يقوم بتحديد مدي احتياج المريض للعلاج الجراحي و فرص المريض في التحسن أو الشفاء، و كذلك نسبة المخاطر من الجراحة.
و للعلم، فإن العلاج الجراحي للصرع علاج معروف بالدول الغربية مثل كندا و انجلترا منذ عام 1928، و تطورت الجراحات و تحسنت النتائج بصورة كبيرة مع التطور الكبير الذي حدث في وسائل التشخيص و استخدام أساليب الجراحة الميكروسكوبية و فحص الرنين المغناطيسي و استخدام الكمبيوتر و الفيديو في تحديد موضع بؤرة الصرع، مما جعل العمليات الجراحية للصرع في الوقت الحالي شديدة الفاعلية عالية الأمان و تأتي بنتائج مبهرة دون مضاعفات تذكر في حالات كثيرة.
و أشهر أنواع الصرع الذي يستجيب للجراحة هو الصرع الناشئ من الفص الصدغى، و الذي يتم فيه استئصال جزء من الفص الصدغى المسبب للمرض، و تصل نسبة الشفاء فيه إلي حوالي 90 % في حالات تليف "قرن أمون" (Hippocampus) و هي المنطقة من المخ التي تشكل أهمية بالنسبة للذاكرة المكانية و ذاكرة الأحداث في حياتنا اليومية. أما وجود البؤرة خارج الفص الصدغى كوجودها في الفص الأمامي أو الخلفي للمخ فنتائجه أقل و تتراوح بين 50-80% حسب الحالة .
صورة بالرنين المغناطيسي لمريض بصرع الفص الصدغي، تظهر ضمور في قرن آمون الأيمن (الدائرة الحمراء)
و هناك حالات الصرع الكلي، و التي يتم فيها إجراء عمليات لمنع انتشار البؤرة الصرعية، و كذلك حالات الصرع المصاحبة للشلل النصفي، و التي تعقب بعض الحوادث أو الالتهابات المخية أو بعض العيوب الخلقية، و التي يكون فيها أحد نصفي المخ بالكامل متأثرًا بالمرض و مسببًا للمريض شللاً نصفيًا و نوبات صرعية تظهر في الجزء المريض، و قد تنتشر لباقي الجسم، و هنا يمكن إجراء عمليات لفصل هذا النصف عن باقي أجزاء المخ بأمان تام و تتوقف النوبات الصرعية بإذن الله.
أما أصعب حالات جراحات الصرع فهي الحالات التي تكون فيها بؤرة الصرع متداخلة مع مركز من مراكز المخ الهامة كالحركة أو الكلام، و هنا يتم إجراء العملية تحت مخدر موضعي دون تخدير كلى مثل عمليات الأسنان، و تستخدم أجهزه خاصة لرسم خريطة للقشرة المخية تتضمن إجراء رسم المخ داخل غرفة العمليات لتحديد موضع البؤرة الصرعية، و كذلك تنبيه القشرة المخية لتحديد موضع المركز العصبي الهام، و فى هذه الحالة يتم استئصال البؤرة الصرعية بأمان دون المساس بمراكز المخ الحساسة و تكون النتائج عادة مرضيه جدًا بإذن الله .
و من المهم التنبيه إلى أنه ليست جميع حالات الصرع التي لا يمكن السيطرة عليها بالدواء يمكن إجراء الجراحة لها، فالمخ جزء حساس، والجراحة لها مساوئها. و معظم مراكز جراحة المخ و الأعصاب في هذه الأيام يقتصر علاجهم جراحيًا على حالات الصرع الحركي النفسيPsychomotor epilepsy ، أو الأنواع الأخرى من الصرع أو النوبات التي تنبع من الفص الصدغي. و تختص هذه العملية باستئصال الفص الدماغي الأمامي من جانب واحد من المخ Unilateral resection of the anterior temporal lobe أو بواسطة الكي الكهربائي Electro coagulation في النواة اللوزانية (شبه اللوزة(Amygdaloid nucleus ، و ذلك
لعلاج بعض الحالات النادرة والمصحوبة باضطرابات سلوك
عندما تطيش إشارات المخ، فتقلب الحياة رأسًا على عقب ..
يعتقد الكثيرون أن مرضى الصرع هم مجانين، و كان الاعتقاد السائد لدى الناس في القدم بأن النوبة تنشأ عن الجن و مس الأرواح الشريرة، لكن الحقيقة أن مرض الصرع كغيره من الأمراض، لا علاقة له بالقوى الخفية، بقدر علاقته بالجسم و ما يحدث فيه من تغيرات، و تحديدًا التغير في كهربية المخ، و انتظام الإشارات العصبية.
و يمكننا القول أن حياة المريض تنقلب رأسًا علي عقب، ليس بسبب المرض، بل بسبب نظرة المجتمع و الناس، التي يكتنفها كثير من الجهل، و تحوطها الخرافة ..
المحتويات
مقدمة
مقدمة
يعتقد الكثيرون أن مرضى الصرع هم مجانين، و كان الاعتقاد السائد لدى الناس في القدم بأن النوبة تنشأ عن الجن و مس الأرواح الشريرة .. لكن الحقيقة هي أن المرض ناتج عن شحنات كهربائية غير طبيعية تصدر في بعض خلايا المخ المصابة، و التي تسمى البؤرة الصرعية، و يظهر نشاط البؤرة في صورة أعراض غير طبيعية هي التشجنات، و لذلك قد يسمى الصرع أحيانا "بالاضطراب التشنجي".
و لا يزال الصرع واحدا من الأمراض التي استغلقت على عقول البشر، و حيرت و تحير الأطباء حتى هذه اللحظة، ففي نحو 70% من حالات الإصابة، و التي تبلغ على مستوى العالم ما يقرب من 50 مليون مريض بالصرع، 90% منهم في الدول النامية، لا يعرف الأطباء سببا لزيادة النشاط الكهربائي في المخ عن معدله الطبيعي. و غالبًا ما يصيب الصرع الأطفال، أو كبار السن فوق الخامسة و الستين، لكن هذا لا يعني أنه مقصور علي هذه الفئات، فأي شخص في أي مرحلة عمرية معرض للإصابة بالصرع.
و بسبب الفهم الخاطئ لحالة الصرع و الأسباب المؤدية له يعاني الأشخاص المصابون بالصرع من العزلة الاجتماعية. فالمجتمع ينظر إلى مرضى القلب و الربو و الأمراض المزمنة الآخرى بالرأفة و العطف و الاستعداد للمساعدة، و لكنه ينظر للمصابين بالصرع بالريبة و الشك و الخوف فيتجنبهم و يجعلهم في عزلة عنه.
و نتيجة لذلك يضطر المصاب بالصرع أو أقاربه الابقاء على حالته سرًا و في طي الكتمان قدر الامكان؛ تجنبا لتلك النظرة الاجتماعية الخاطئة. هذا بالاضافة إلى انتشار الفكرة الخاطئة عن الصرع بأنه شديد الأثر على المصاب و أنه قد يؤدي للوفاة, إلا أن واقع الأمر أن الصرع مثله مثل باقي الأمراض الجسدية الأخرى فمنه الخفيف و المتوسط و القليل منه الشديد. و مع تطور الطب بدأ العلماء التعرف على جوانب كانت مجهولة في وظائف المخ و كيفية حدوث الصرع و ما زالت هناك جوانب أخرى يجهلها الانسان.
إن الصرع بحد ذاته لا يؤدي للوفاة، لكن قد يفعل إذا تكررت أو استمرت التشنجات الصرعية لأكثر من ثلاثين دقيقة، ما لم يتم إسعاف المصاب بالعلاج المناسب، إلا أن مثل هذه الوفيات نادرة الحدوث. أما حالات الوفاة الأكثر حدوثا فهي تلك الناجمة عن الأخطار أو الحوادث التي تتم عندما تحدث النوبة لشخص في وقت غير متوقع فيه حدوثها وفي وضع شديد الخطورة.
و رغم التقدم الكبير في علوم الطب، فإن الصرع ما زال من الأمراض التي ليس لها علاج ناجع، بل إن كل أدوية علاج الصرع هي لتخفيف حدة النوبات، و ليس لإخماد البؤرة الصرعية، و التي قد يضطر الطبيب – في الحالات المستعصية – للتدخل جراحيًا لإزالتها. و رغم هذا، فإن هذه الأدوية المهدئة و التي تصنف كأدوية "سيطرة" على الأعراض، تحقق نجاحًا كبيرًا، و ربما تصل بالمريض إلى مستوى يقترب من الشفاء الكامل.
الصرع في اللغة
اشتقت كلمة الصرع من مادة "ص ر ع"، و حسب القاموس المحيط فإن الصَّرْعُ، ويكسرُ، هو الطَّرْحُ على الأرْضِ، و لأن أعراض الصرع العام الذي كانت تعرفه العرب تشتمل علي الطرح أرضًا من شدة التشنجات، فقد اشتق اسم الداء منها.
و يعرف القاموس المحيط الصرع كالآتي:
" الصَّرْع (مصدرٌ)، و عند الأطَّباء علةٌ تمنع الأعضاء النفسانيَّة عن أفعالها منعًا غير تامٍ و سببها سدَّةٌ غير تامَّةٍ، بخلاف السكتة، تعرض في البطن المقدَّم من بطون الدماغ واقفة في مجاري الأعصاب المحرّكة للأعضاء فتمنع الروح النفسانيَّ من السلوك فيها سلوكًا طبيعيا فتتشنجَّ الأعضاء و تحدث فيها رعدةٌ و حركاتٌ مختلفة. و قد تُسمىَّ هذه العلَّة امَّ الصّبيان لكثرة عروضها لهم. و قد يقال لها المرض الكاهنيُّ. قال الطَبَريُّ وأبو الفَرَج لأن من المصروعين من يتكَّهن ويرجم بالغيب. فإن كان سدَّة الدماغ تامَّة فتلك السكتة. "
و رغم الدقة النوعية في هذا التعريف، فقد أخبر على الأقل بإنه ينتج عن خلل في الأعصاب أو "انسداد في مجاريها"، نجد أن معجم منن اللغة يعرف الصرع بأنه داء يشبه الجنون ، و يقال: صُرع بمعنى جُنّ فهو صريع و الصريع هو المصروع أو المجنون، و هذا بسبب الاعتقاد في مس الجن و الشياطين و الأرواح الشريرة. الاعتقاد نفسه جعل الكلمة في الإنجليزية تشتق من كلمة إغريقية تعني "تعرض لهجوم" Epilepsy.
و ربما كانت تسمية الصرع بهذا الاسم أحد الأسباب التي جعلت منه كابوسًا على المرضى، فوقع الاسم، و اشتقاقاته اللغوية كلها تعني الإذلال أو الوقوع أو فقدان السيطرة، و من هنا ينادي بعض الأطباء بتغيير هذا الاسم لاسم آخر، يعبر عن الحالة و في الوقت ذاته لا يجرح مشاعر المرضى أو يستثير مخاوف من حولهم، و لعل أحد هذه المحاولات ما نعرفه جميعًَا من إجابة الطبيب بأن المريض "مصاب بزيادة في كهرباء المخ" بدلاً من إن يقول إنه مصاب بالصرع.
الصرع عبرالتاريخ
الصرع مرض قديم معروف عبر التاريخ، و بسبب الأعراض السريرية المختلفة "غير العادية" العنيفة و المخيفة في بعض الأحيان، أعطى القدماء للصرع تعليلات عديدة " فوق طبيعية " تثير الخوف من هذا الداء و النفور من المصابين به.
فمن جهة ذهب اليونانيون لاعتباره من صنع قوى حارقة إلهية، و أطلقوا عليه اسم المرض المقدس أو الإلهي. فكان مريض الصرع يعالج معالجة خاصة، إذ يؤخذ للمعبد فيغسل و يدهن بالعطور و الزيوت و يؤمر بالصيام، و أداء طقوس خاصة و تقديم القرابين للآلهة الناقمة لكي تصفح عنه (كما كان يتم في معبد اسكوليبوس). و بنفس المنحنى اعتقد اليهود أن عدداً من الأمراض، و من ضمنها الصرع و الجنون، ما هي إلا عقاب للمذنبين، و بالتالي كان على المريض أن يكفر عن آثامه و يطلب التوبة سعيًا للشفاء.
من جهة أخرى اعتقد آخرون أن المسبب للصرع هي قوى شريرة تسيطر على المريض و تلغي إرادته، و بالتالي يتمثل العلاج في مساعدته على التخلص من هذه القوى و طردها من داخله. فهنود قبائل الأنكا مثلاً كانوا يقومون بإحداث ثقوب في جمجمة المريض بهدف إخراج الشياطين و الأرواح الشريرة منها.
لكن لابد أن نذكر أن عدداً من الأطباء القدماء، بدءًا من أبوقراط و وصولاً لأعلام الطب الإسلامي، كابن سينا و الرازي قابلوا هذه التفسيرات غير الطبيعية للصرع بتفسيرات علمية من حيث المبدأ، أي على أنها حالات تنجم عن اضطراب دماغ الإنسان و عقله، و بالتالي توجهوا في علاجهم نحو "تهدئة الدماغ و تطمين العقل" بل و "زرع الثقة في نفس المريض" !. و لكن حتى هؤلاء بقوا يضعون الصرع في نفس مجموعة الأمراض العقلية المعروفة بالجنون، مثلهم في ذلك مثل بقية الأطباء في ذلك الوقت، و لذلك بقي الجنون أحد المعاني المتداولة للصرع، كما أسلفنا سابقًا.
طبيبان يقومان بعلاج مريض بالصرع (القرن الثاني عشر) - كان العلاج المعروف في ذلك الحين هو الكي أو التربنة (فتح الجمجمة)، و هما العلاجان اللذان يتلقاهما المريض في هذه الصورة
و كان يعاني من داء الصرع الملوك والنبلاء حتى أطلقوا عليه قديما "مرض العظماء"، فالقائد الشهير الإسكندر الأكبر واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر التاريخ. و يوليوس قيصر، أحد أكثر الرجال نفوذًا في التاريخ، كان أيضا من المصابين بمرض الصرع، و كذلك القائد القرطاجي الشهير هانيبال. الملك ألفريد الأكبر الذي مهد للوحدة الإنجليزية، و الذي تصدى لهجمات قبائل "الفايكينج" المتتابعة على شمال أوروبا، كان أيضًا مصابًا بالصرع، و رغم ذلك لم ينقذ بريطانيا من الإبادة سوى عبقريته؛ و القائمة تطول.
و قد ورد ذكر الصرع في النصوص الإغريقية القديمة و في الإنجيل. و لم تكن هناك دراسات جادة إلا في أواسط التاسع عشر، إذ كان السير تشارلز لوكوك أول من أوجد المسكنات التي ساعدت على التحكم بالنوبات في عام 1857م. و في عام 1870م قام جون جاكسون بتحديد الطبقة الخارجية للمخ، أي القشرة المخية، و عرّفها بأنها ذلك الجزء المعني بالصرع. و أوضح هانز برجز في عام 1929م بأن هناك إمكانية لتسجيل نبضات المخ البشري الكهربائية، فيما يعرف برسم المخ الكهربي EEG.
و في وقتنا الحاضر، نجد أن الأبحاث الطبية قد تقدمت فيما يتعلق بتشخيص و علاج مرض الصرع تقدمًا ملحوظًا، حيث تم تسجيل نوبات الصرع و النوبات الأخرى على أشرطة الفيديو، و ذلك باستخدام الدوائر التلفزيونية المغلقة، و تسجيل تخطيط المخ الكهربائي عن طريق الأجهزة، مما أدى إلى تفهم الأنواع المختلفة من النوبات تفهماً عميقاً.
تشريح المخ
حتى يتسنى لنا فهم حقيقة الصرع، و الوقوف على أرض ثابتة بشأنه، ينبغي علينا أن نعرف أولاً تشريح الجهاز العصبي، و المخ تحديدًا، بصورة مبسطة، لأن الصرع كما قلنا هو اضطراب في كهرباء المخ، كما أن تحديد المكان الذي يحصل منه تفريغ كهربائي من المخ له أهمية تشخيصية في مرض الصرع.
و هذه محاولة بسيطة و متواضعة للتعرف على شرح تركيب المخ البشري، و ما تحتويه الجمجمة البشرية من أعظم جهاز يقع عليه عبء التحكم و السيطرة على جميع وظائف الجسم المختلفة، سواء كانت هذه الوظائف حركية أو حسية، أو فكرية إبداعية.
بداية نتحدث عن الجهاز العصبي بشكل عام، و الذي هو جزء منه المخ. ينقسم الجهاز العصبي إلى قسمين رئيسين :
الجهاز العصبي المركزي Central Nervous System CNS.
الجهاز العصبي الطرفي Peripheral Nervous System.
الجهاز العصبي في الإنسان و أقسامه
وحدة بناء الجهاز العصبي هي العصبون أو الخلية العصبية Neuron، و يتكون العصبون من جسم Cell Body و محورAxon ، و يحتوي جسم الخلية على نواة الخلية، و يبرز من سطحة تغصنات أو تشعبات للخارج Dendrites لها علاقة في إستقبال أو نقل الإشارات الكهربائية, حيث يستقبل جسم العصبون الإشارات الكهربائية (العصبية) من العصبونات الأخرى عن هذه طريق التغصنات.
محور العصبون Axon هو عبارة عن إمتداد يخرج من جسم الخلية، و ينقل الإشارات الكهربائية من العصبون. و المحور مُغلف من الخارج بصفائح المايلين (النُخاعين(Myelin Sheaths ، و هي عبارة عن مادة عازلة للمحور و ضرورية لنقل الإشارات الكهربائية فيه.
يتكون الجهاز العصبي المركزي في الإنسان من الدماغ Brain و النخاع الشوكي أو الحبل الشوكي Spinal Cord ، و يتكون الدماغ من:
المخ Cerebrum .
جذع المخ Brainstem و الذي يتضمن الدماغ الأوسط Midbrain و الجسر Pons و النُخاع المستطيلMedulla Oblongata .
المُخيخ Cerebellum .
و في المخ تكون أجسام العصبونات مُتركزة في الطبقة الخارجية (قشرة المخ (Cerebral Cortex و يكون لونها رماديًا و لهذا تُسمى المادة الرمادية Grey Matter و محاور العصبونات موجودة في الداخل و يكون لونها أبيض و لهذا تُسمى المادة البيضاءWhite Matter . و في الحبل الشوكي يكون العكس المادة البيضاء (محاور العصبونات) في الخارج و المادة الرمادية (أجسام العصبونات) في الداخل.
و بعد هذه المقدمة البسيطة، ينبغي أن نعرف شيئًا عن فصوص المخ، و هو ما توضحه الصورة الآتية:
ما هو الصرع ؟
تحدثنا في المقدمة بشكل مختصر عن ماهية الصرع، لكن ما هو التعريف الطبي الدقيق للصرع ؟
يعرف الصرع بصفة عامة على أنه نوبات متكررة من تغير الإيقاع الأساسي لنشاط المخ، أو أنه نوبات متكررة من اضطراب بعض وظائف المخ النفسية أو الحركية أو الحشوية أو الحسية، التي تبدأ فجأة و تتوقف فجأة، و قد تكون مصحوبة بنقص في درجة الوعي الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد الغيبوبة. و بكلمات أخرى، يمكننا القول أنه اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ.
و ينشأ النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ من مرور ملايين الشحنات الكهربائية البسيطة من بين الخلايا العصبية في المخ، و أثناء انتشارها إلى جميع أجزاء الجسم. هذا النمط الطبيعي من النشاط الكهربائي من الممكن أن يختل بسبب انطلاق شحنات كهربائية شاذة متقطعة لها تأثير كهربائي أقوى من تأثير الشحنات العادية، و يكون لهذه الشحنات تأثير على وعى الإنسان و حركة جسمه و أحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن، و هذه التغيرات الفيزيائية تسمى تشنجات صرعية.
و قد تحدث نوبات من النشاط الكهربائي غير الطبيعي في منطقة محددة من المخ، و تسمى النوبة حينئذ بالنوبة الصرعية الجزئية أو النوبة الصرعية النوعية. و أحيانًا يحدث اختلال كهربائي بجميع خلايا المخ، و هنا يحدث ما يسمى بالنوبة الصرعية العامة أو الكبرى
و قد يتبادر إلى أذهاننا أن هذا المرض ينقص من العمر أو من الذكاء، أو يخرب الدماغ ، خصوصًا عندما نلاحظ حالة المريض أثناء النوبة، كأن يسقط لا إراديًا على رأسه أو يهتز اهتزازًا عنيفًا، لكن هذا الكلام ليس له أساس من الصحة، فنوبة الصرع، بصورة أو بأخرى، هي وسيلة حماية للمخ من الشحنات الزائدة التي إن بقيت، فقد تضره فعلاً.
[flash][/flash]
نوبة صرع كبرى - تم تصوير المريض أثناء "تقييم حالات الصرع الغير مستجيب للعلاج الدوائي لامكانية العلاج الجراحي"، كما سنعرف بعد قليل
تصنيفات الصرع
تعدد أنواع الصرع، و تختلف تقسيماته، و لا يوجد تقسيم واحد، تقريبًا، أتفق بشأنه الأطباء. و هناك ثلاثة أسس يمكن تقسيم و تصنيف الصرع وفقا لها، هي:
أولاً: التصنيف وفقًا للأسباب Etiological Classification
و يتم تقسيم الصرع هنا وفقا للأسباب التي أدت إليه، وتبعا لذلك يمكن تصنيف الصرع إلى الأنواع التالية:
صرع بدون سبب واضح Idiopathic
و يسمى أحيانا بالصرع الأولى Primary، و عادة لا يكون هناك سبب واضح يمكن عزو الصرع إليه. و تلعب الوراثة في هذا النوع دورًا كبيرًا، حيث يكون لدى الفرد استعداد وراثي -وجود جين سائد- يتسبب في حدوث النوبات لديه. و يشمل هذا التقسيم 75 % تقريبا من حالات الصرع على وجه العموم.
الصرع العرضي Symptomatic
و تكون حالات الصرع في هذا النوع نتيجة وجود سبب واضح، أو تكون عرضًا لهذا السبب (وجود ورم في المخ مثلا). وهنا يسمى الصرع صرعًا ثانويًا Secondary، أي أنه يحدث كنتيجة ثانوية لسبب آخر. و يشمل هذا النوع 25 % تقريبًا من الحالات.
ثانيا: التصنيف السريري Clinical
و يتم التصنيف هنا وفقا للصورة السريرية التي تظهر على المريض أثناء حدوث النوبة، و يمكن تقسيم الصرع وفق هذا الأساس إلى ما يلي:
صرع كلى Generalized
و يشير هذا التقسيم إلى حدوث أعراض سريرية نتيجة وجود اضطراب عادة ما يكون في نصفي المخ. ويتميز الصرع هنا باضطراب في درجة وعى المريض. ويشمل هذا الصرع الكلى تقسيما فرعيا آخر يتضمن ما يلي:
نوع غير تشنجي Non Convulsive: و من أمثلة ذلك ما يسمى بنوبات الصرع الصغرى Petit Mal أو نوبات الغياب Absence. و يصحب هذا النوع اضطراب في الوعي يستمر ثوان معدودة، و قد يصحبه حركات أو اختلاجات بسيطة في عضلات الوجه و الأطراف.
نوع تشنجي Convulsive: و هو نوبات الصرع الكبرى Grand Mal الذي يتكون من مرحلتين الأولى المرحلة التوترية Tonic التي يحدث فيها توتر أو شد في كل عضلات الجسم، و يفقد المريض فيها وعيه ويسقط على الأرض إذا كان واقفًا، و تلي هذه المرحلة المرحلة الارتجافية Clonic، و التي تتقلص فيها العضلات و تحدث فيها التشنجات. و فيها قد يعض المريض لسانه، أو يتبول على نفسه - إذا كانت المثانة ممتلئة بالبول - كما يخرج من فم المريض الزبد أو رغوة اللعاب. و بعد ذلك تتوقف هذه التشنجات، و ترتخي عضلات المريض، و يدخل في نوم عميق أو يفيق مصحوبًا بنسيان لما حدث له، مع درجة أو أخرى من الصداع. و في حالات نادرة قد تتكرر النوبات وتتلاحق دون أن يسترد المريض وعيه، و تسمى الحالة هنا بالنوبة الصرعية المستمرة Status Epilepticus.
و من أمثلة هذا النوع أيضا صرع ارتجاف العضلات Myoclonic Epilepsy ، وقد تكون في مجموعة واحدة من العضلات أو تشمل العديد منها . كذلك نوبات الصرع التي تحدث في الأطفال نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم Febrile Convulsions.
الصرع الجزئي Partial
و في هذا النوع عادة لا يفقد المريض وعيه، و يكون السبب في مكان محدد من المخ، تتحدد وفقًا له طبيعة الأعراض التي تظهر على المريض أثناء النوبة. و يشمل هذا النوع من الصرع الأنواع الفرعية التالية:
الصرع البسيط Simple: وتتوقف الصورة الإكلينيكية على مكان البؤرة النشطة في المخ، فقد تكون في الفص الحسي ، أو الفص الحركي ...إلخ . ويشمل هذا النوع ما يلي :
الصرع الحسي Sensory Fits : و هو نوبات موضعية تثير الأجزاء المختصة بالإدراكات الحسية في قشرة المخ. و قد تظهر النوبة في شكل تنميل ، أو الإحساس بالبرودة أو السخونة ، أو يسمع المريض أو يرى ، أو يشم أو يتذوق دون أن توجد مثيرات لهذه الاستجابات الحسية (هلاوس حسية أو سمعية أو بصرية أو شمية أو تذوقية) . ومن أشهر هذا النوع النوبات المعروفة بنوبات جاكسون الحسية sensory Jacksonian fits.
الصرع الحركي Motor Fits : و يأخذ شكل اضطراب محدد في موضع معين من الجسم و ليس الجسم كله، و ذلك نتيجة استثارة جزء معين من القشرة المخية الحركية الموجودة في الفص الجبهي . و من أمثلته نوبات جاكسون الحركيةmotor Jacksonian fits، و فيها لا يفقد المريض وعيه مثلما يحدث في نوبات الصرع الكبرى، و هذه سمة مميزة لنوبات الصرع الجزئي بشكل عام.
الصرع الذاتي Autonomic: و فيه تكون الأعراض نتيجة استثارة الجهاز العصبي الذاتي ، و تشمل أعراضه مظاهر اضطراب هذا الجهاز مثل حدوث ألم في المعدة ، أو الشعور بالغثيان أو القىء، مع شحوب الجلد و خاصة الوجه، و العرق الشديد، و إتساع حدقة العين ... الخ.
الصرع المعقد Complex: و فيه قد يضطرب وعى المريض بدرجة أو بأخرى، بالإضافة إلى مجموعة من الأعراض المعقدة و المتداخلة. و يعد الصرع النفسي الحركي أكثرها شيوعا. و قد يكون الصرع من النوع الحركي، أو النفسي، أو الأثنين معا. و قد يكون من النوع الذي تظهر فيه أعراض اضطراب الجهاز العصبي الذاتي. و من أمثلة هذا النوع ما يلي:
الآلية Automatism: و يشير اللفظ إلى حدوث مجموعة من الأعراض الحركية اللاإرادية التي تتسم بدرجة ما من الانتظام أو التناغم، وعادة ما تحدث هذه الأعراض كجزء من النوبة الصرعية، أو بعد حدوث النوبة، و هي تحدث في حالة من اضطراب الوعي. و قد تكون حالة الآلية بسيطة في صورة استمرار النشاط الذي كان يقوم به المريض قبيل حدوث النوبة، أو تظهر أعراض جديدة ترتبط باضطراب الوعي الحادث للمريض. و قد يظهر سلوك يتسم بالطفلية، أو العدوانية، أو البدائية. و يمكن أن تشتمل أعراض الآلية على حركات مرتبطة بالطعام (المضغ أو البلع دون وجود طعام في فم المريض)، أو إظهار سلوك يعبر عن الحالة الانفعالية للمريض و خاصة مشاعر الخوف، ... إلخ.
أعراض نفسية: و تشمل أعراض اضطراب العمليات المعرفية ، أو الوجدانية ، أو الإدراكية.
ثالثا: التصنيف وفق رسام المخ Electroencephalographic
و في هذا التقسيم يتم تصنيف الصرع حسب التغيرات التي يظهرها رسام المخ الكهربي، و التي عادة ما تحدد موضع الاضطراب في المخ. و يشمل هذا التصنيف ما يلي :
صرع موضعي بالقشرة المخية Focal Cortical: و فيه يكون الاضطراب محددًا في مكان بعينه من قشرة المخ، تنتج عنه الأعراض المختلفة للنوبة التي تتوقف على طبيعة نشاط هذه المنطقة و الوظائف المسئولة عنها.
صرع ما تحت القشرة المخية Subcortical: و فيه تكون البؤرة النشطة المتسببة في حدوث الصرع تحت قشرة المخ، أي في مكان عميق و ليس سطحيًا، و عادة ما تكون في نصفي المخ، و يسمى صرع مركزي Centrencephalic .
صرع منتشر في المخ Diffuse Cerebral: و فيه تنتشر البؤرة الصرعية في أكثر من مكان، أي يكون الاضطراب خليطا من الضطراب القشرة المخية
رسم المخ الكهربي - الطبيعي (للأعلى) و لمريض أثناء نوبة صرع عامة (بالأسفل
[img]http://knol.google.com/k/-/-/a0e3f4xn4b5x/6n6dnn/1103544.jpg[/img[]
الأسباب الرئيسة لمرض الصرع
نتحدث هنا عن الصرع الثانوي، و ليس الأولي، فالأولي غالبًا ما يكون مجهول السبب، أو تتدخل فيه عوامل وراثية، فهناك بعض العائلات التى تتوارث مرض الصرع، لكن هذه لم تتكشف حتى الآن بشكل واضح.
إصابات الرأس: مثل حدوث ارتجاج بالمخ (فقدان وقتى للوعى)، و هو يعتبر إصابة بسيطة للرأس و تسبب زيادة فى نسبة حدوث مرض الصرع. بينما تكون الإصابات الشديدة للرأس مع حدوث فقدان للوعى لمدد طويلة، و كذلك حدوث نزيف للمخ من الأسباب الرئيسية لاحتمال حدوث نوبات صرع
التهابات المخ: مثل الالتهاب السحائى و التهاب المخ أو حدوث خراج بالمخ
حدوث سكتة مخية بجزء من المخ: مما يسبب حدوث نقص فى تدفق الدم لجزء من المخ أو حدوث نزيف بالمخ
الإدمان: قد تحدث نوبة صرعية فى مرضى الإدمان إذا تعاطوا جرعات عالية من الكحوليات، أو عند الأيام الأولى للتعاطى
أورام المخ: قد تكون نوبة الصرع الأولى هى أول علامة من علامات حدوث ورم بالمخ، لذلك فإن عمل الأشعة المقطعية و الفحوصات الأخرى هى جزء هام للمريض الذى يعانى من أول نوبة من الصرع فى الكبر
التخلف العقلى
الجنس: نسبة حدوث مرض الصرع تكون أعلى فى الذكور عنها فى الإناث
الأعراض و التشخيص
تتوقف الصورة السريرية لنوبة الصرع على مكان البؤرة الصرعية Epileptic Focus النشطة التي تنبعث منها الموجات الكهربية المضطربة، كما تتوقف أيضا على شدة هذه الموجات و مدى انتشارها. و لذلك فإن ما يحدث أثناء النوبة الصرعية يختلف بشكل أساسي في كل نوع ، ففي بعض النوبات لا يحدث للمريض إلا فقدان للوعي بشكل مفاجئ، و قد يصاحب ذلك أو لا يصاحبه اختلاجات عضلية شديدة في اليدين أو القدمين أو كل عضلات الجسم. و في البعض الآخر قد يظهر لدى المريض مجرد نظرة زائغة Dazed Lock، و في البعض الثالث قد يمر المريض بخبرة هلوسية Hallucinatory Experience، أو تحدث له خداعات بصرية Visual Illusions، أو تظهر لديه انفعالات شديدة دون سبب واضح، كما يمكن أن تحدث كل هذه الأعراض مجتمعة.
و فيما يلي سرد لبعض الأعراض حسب نوع الصرع :
أعراض النوبة الجزئية البسيطة:
يحافظ المصاب على اتصاله بالواقع
يعاني من مشاكل متفرقة ( صعوبة في الكلام بطريقة سليمة ، تقلصات و ارتعاشات الأعضاء ، تحرف صوتي وبصري)
مشاكل في الحواس ( شم وذوق مختلف)
مشاكل في المعدة
إحساس بالغم والخوف
مدة النوبة من ثواني إلى ثلاث دقائق
أعراض النوبة الجزئية المعقدة (أو نوبة الانفصال):
فقدان ظرفي للاتصال مع الواقع
آلية وتلقائية المصاب حيث يقوم مثلا بحركات بغير هدف و يتمتم و يظهر حركات المضغ
لا يحتفظ المصاب بأي ذكرى من النوبة
مدة النوبة من ثواني إلى ثلاث دقائق[img] [img]http://knol.google.com/k/-/-/a0e3f4xn4b5x/6n6dnn/1103544.jpg[/img[][/img]
[flash][/flash]
أعراض النوبة العامة:
فقدان الوعي و السقوط
تصلب عضلي عام
تشنج واختلاج إيقاعي
كثرة الإفرازات اللعابية
غيبوبة و استرخاء عضلي، و قد يحدث معه تبول أو خروج براز
غالبا ما يكون هناك تقيئ
ارتباك عند اليقظة
لا يحتفظ المصاب بأي ذكرى من النوبة
مدة النوبة 3 أو 4 دقائق لكن أحيانا يمكن انتظار 20 دقيقة قبل الرجوع إلى الحالة الأصلية
و يعتمد الطبيب المعالج في التشخيص أساسًا على:
الوصف التفصيلي للنوبات الصرعية من قبل الأقرباء أو الأصدقاء الذين شاهدوا حدوث النوبة الصرعية (خصوصا عند صغار السن)، أو من المصاب البالغ نفسه إن لم تكن النوبة الصرعية قد سببت فقدان الوعي.
إجراء تخطيط موجات المخ الكهربائية، و الذي بذاته لا يشخص أو ينفي حالة الصرع، و لكنه ذو فائدة في تحديد نوع النوبات الصرعية و قد يساهم في تحديد نوع العلاج.
بعض الفحوصات مختبرية التي يتم إجراءها (دم، بول .. إلخ) لتقييم الوضع الصحي للحالة قبل بدء العلاج.
فحص المخ بالأشعة، كالأشعة المقطعية (C.T. Scan) أو أشعة الرنين المغناطيسي(MRI) ، و قد يستعين بها الطبيب المعالج لتقييم حالة المريض للتأكد من عدم وجود مرض مسبب للصرع إن كان هناك شك في ذلك.
الصرع و الحمل
ترتبط حياة كل فتاة بحلم الزواج و إنجاب الأطفال ، و يزيد من رغبتها في تحقيق هذا الحلم العائلة و الأصدقاء، لذلك فأنه من غير الطبيعي و المخالف للغريزة الأنثوية إقناع الفتيات الصغيرات بأنهن لا يستطعن تحقيق هذا الحلم. و من المحزن أن هذا ما كان يحدث لسنوات عديدة للفتيات اللاتي يعانين من الصرع، إذ كان هناك اعتقاد خاطئ بأنهن لا يستطعن الحمل بأمان أو أن الأطفال الذين سينجبن لن يكونوا بصحة جيدة، الأمر الذي كان يعيق تلك الفتيات عن ممارسة حياتهن بشكل طبيعي.
إن التطور في المعرفة و الرعاية الطبية للأشخاص المصابين بالصرع، و ارتفاع مستوى الوعي لدى عامة الناس غيرت الكثير من هذه المفاهيم، فنحن نعرف الآن أن أكثر من 90% من النساء المصابات بالصرع يستطعن الحمل وإنجاب أطفال أصحَّاء.
يصنف الحمل بالنسبة للمرأة التي تعاني من الصرع كحمل عالي الخطورة، و هذا يعني أن العناية الطبية الخاصة و المتابعة المنتظمة مهمة لتحقيق أفضل نتيجة للأم والجنين. و تجدر الإشارة إلى أن فاعلية أقراص منع الحمل تتأثر بالأدوية التي تستخدم لعلاج نوبات الصرع، فالأدوية المقاومة للصرع و خاصة فينوباربيتال ، ديلانتين (فينيتوين)، تيجريتول (كاربامازيمبين) تعمل على تقليل نسبة الاستروجين الفعال (أي الاستروجين الذي يمكن أن يقوم بوظائفه كاملةً) في الدم، و ذلك عن طريق زيادة تمثيله في الجسم، لذلك فإنه من الضروري تناول أقراص منع الحمل التي تحتوي على نسبة أعلى من الاستروجين، أو استخدام وسائل أخرى لمنع الحمل .
إن التحكم الجيد في نوبات الصرع ضروري للحصول على حمل أكثر أمانًا، فلا يوصى بالحمل للنساء اللاتي يتعرضن لنوبات صرع متكررة أو حادّة.
إن الأدوية المقاومة للصرع لها تأثير على الجنين، و قد يستغرق الأمر من أخصائي المخ والأعصاب وقتًا حتى يتمكن من تحديد علاج يتحكم في نوبات الصرع وفي الوقت نفسه لا يشكل خطراً على الجنين قدر الإمكان .و قد تسمع السيدة الحامل الكثير من الأقوال من الأصدقاء الأقارب، و أحيانًا الأطباء، عن أن تناول أدوية الصرع سيؤدي حتما إلى إنجاب طفل مشوه أو متخلف عقليا، و لكن الحقيقة تثبت أن نسبة كبيرة من الأمهات اللاتي تناولن أدوية الصرع أثناء فترة الحمل أنجبن أطفال طبيعيين. إن خطورة الضرر الذي ممكن أن يحدث نتيجة نوبات صرع متكررة أو حادة يفوق كثيرًا الخطورة المتوقعة من تناول الأدوية.
يمكن أن يحدث التشوه الخلقي لأي طفل، و يحدث بنسبة 2 إلى 3% في الحمل الطبيعي، إذا تعرض الجنين للأدوية المقاومة للصرع في الرحم فإن هذه النسبة تزيد إلى 4 -6%. على الرغم من أن هذه النسبة تعتبر ضعف النسبة الطبيعية، فلا يجب اعتبار هذا سبب لتجنب الحمل، فكل هذه التأثيرات تحدث في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل.
كل أدوية الصرع لها علاقة بزيادة خطورة حدوث تشوهات خلقية بسيطة أو خطيرة، و تزداد هذه الخطورة إذا كانت المرأة تتناول أكثر من نوع واحد من الدواء، فمعظم الدراسات عن التشوهات الخلقية التي تسببها الأدوية بنيت على أساس أبحاث أجريت على نساء يتناولن أكثر من دواء واحد .و لذلك من المهم أن يكون العلاج عبارة عن دواء واحد فقط، قدر الإمكان.
يتعرض حوالي 25 إلى 30% من النساء المصابات بالصرع لزيادة في نوبات الصرع أثناء فترة الحمل، و إلى الآن لا توجد طريقة لمعرفة من هي المرأة الأكثر عرضة لحدوث هذه الزيادة. بعض الدراسات تبين أن النساء اللاتي يكون التحكم في نوبات لصرع لديهن ضعيفًا قبل الحمل هم الأكثر قابلية لهذه الزيادة. دراسات أخرى تشير إلى أن النساء اللواتي يعانين من (صرع جزئي مركب) من الممكن أن يكن في وضع أخطر من اللاتي يعانين من (صرع عام أولي)، كما لوحظ أن هناك زيادة في نوبات الصرع في فترات الحمل الأولى و الثانية و آخر الثالثة، لذلك فعلى المرأة الحامل أن تتابع مع طبيب المخ والأعصاب شهريا أثناء فترة الحمل وأن تبلغه في الحال عن أي زيادة في نوبات الصرع.
و يعتبر التشنج التوتري والحركي العام أو الصرع الكبير من أخطر أنواع الصرع الذي يحدث أثناء فترة الحمل ويضع الجنين في حالة حرجة، كما يمكن أن يسبب سقوط الأم أثناء فترة الحمل نزيفًا و إجهاضًا للجنين، و قد يؤثر على التنفس، و إذا كانت الأم و الجنين يعانين من نقص في الأكسجين فأن ذلك قد يؤثر على نمو الجنين وخصوصا نمو منطقة المخ.
الصرع و الصيام
رمضان هو شهر الخير و البركة، صيامه فرض واجب على كل مسلم و مسلمة ما لم يكن هناك مانع أو حائل شرعي يحول دون ذلك. و الصرع مهما بلغت شدته أو تكررت نوباته لا يعتبر حائل للمصاب به دون الصيام إذا قام بإتباع تعليمات طبيبه.
فالمصاب عادة ما يعتمد في علاجه على تناول نوع أو أكثر من الأدوية المضادة للصرع، تؤخذ على جرعتين أو أكثر على حسب إرشادات الطبيب، اعتمادًا على عمره و وزنه و نوع التشنجات و شدتها، و مستوى الدواء في الدم، و نوع و جرعة أدوية الصرع الأخرى التي يتناولها.
و قد يلجأ الطبيب في رمضان إلى تقسيم الجرعة اليومية نفسها إلى جرعتين بدلا من ثلاث جرعات لتؤخذ بعد الإفطار و قبل السحور، و في حالات معينة يستلزم أخذ نفس عدد الجرعات التي كانت تؤخذ قبل رمضان و يتم تقسيمها على فترات متساوية ما بين الإفطار و السحور. و يعتبر هذا النظام الدوائي هو الأفضل لتفادي حدوث زيادة في النوبات خلال شهر رمضان.
و من الأهمية بمكان التنبيه إلي ألا يجمع المريض كل الجرعات في جرعة واحدة، في محاولة منه لتلافي احتمالية أن يفطر كي يأخذ الدواء، لأن ذلك حتمًا سوف يؤدى إلى حدوث تسمم في الدم، و الأفضل هو مراجعة طبيب الأعصاب و مناقشته حول أفضل نظام دوائي لإتباعه أثناء شهر رمضان .
و إن لم يقدر المريض على الصيام، لاستحالة التحكم في النوبات بنظام دوائي لا تكون فيه جرعات في وقت الصوم، جاز الفطر و وجب القضاء عند الاستطاعة و الإمكان، و إن حكم الطبيب الثقة بأن داءه لا يرجى شفاؤه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً مدًا من طعام، و قدره 750 جراماً تقريباً من الأرز و نحوه، والله أعلم.
علاج الصرع
العلاج الدوائي
يتم علاج الصرع بعدة طرق، أهمها العلاج بالعقاقير المضادة للتشنج، و نادراً ما نلجأ للجراحة كعلاج للنوبات الصرعية المتكررة. و العلاج بالعقاقير هو الخيار الأول والأساسي . و هناك العديد من العقاقير المضادة للصرع، و هذه العقاقير تستطيع التحكم في أشكال الصرع المختلفة، و قد يحتاج المرضى الذين يعانون من أكثر من نوع من أنواع الصرع لاستخدام أكثر من نوع من أنواع العقاقير، و ذلك بالرغم من محاولة الأطباء الاعتماد على نوع واحد من العقاقير للتحكم في المرض.
و لكي تقوم هذه العقاقير المضادة للصرع بعملها في التحكم في المرض يجب أن نصل بجرعة العلاج لمستوى معين في الدم، كما يجب أن نحافظ على هذا المستوى في الدم باستمرار، و لذلك يجب الحرص على تناول الدواء بانتظام، و الالتزام الكامل بتعليمات الطبيب المعالج، لأن الهدف من العلاج هو الوصول إلى التحكم في المرض بإذن الله مع عدم حدوث أي أعراض سلبية من تناول تلك العقاقير مثل النوم الزائد و ضعف التركيز و غيرها.
من النادر أن تستعمل الأدوية المضادة للصرع بعد النوبة الأولى، حيث إن تشخيص الصرع يقتضي حدوث نوبات متكررة, و لكن وجود التغيرات الكهربائية الشديدة و الخاصة بالصرع قد تكون دافعاً على بدء العلاج. و عندما تكون النوبات من النوع التوتري الارتجاجي Tonic – clonic seizures فإن استخدام العلاج المضاد للصرع يكون بعد حدوث النوبة الثانية، فيما عدا حالات الصرع الكبير غير المكتمل الصورة Oligo grand mal epilepsy.
و تتم السيطرة على معظم النوبات الصرعية نتيجة استعمال الأدوية المقاومة للصرع. حوالي 50% من الذين يتناولون هذه الأدوية تنتهي النوبات لديهم وحوالي (30) بالمائة منهم تقلّ درجة تكرارها لديهم لدرجة يمكنهم معها العيش والعمل بشكل اعتيادي، أما الـ 20% المتبقية فهي إما حالات مستعصية للعلاج، أو أنها بحاجة إلى جرعات أكبر للسيطرة على النوبات
و يكون بدء العلاج بمضادات الصرع ضرورة في الحالات الآتية:
التشنجات في الأطفال حديثي الولادةNeonatal seizure .
التقلصات الطفوليةInfantile spasm .
الصرع الارتجاجي المعجز عن الوقوفMyoclonic astatic epilepsy .
الصرع الخفيفPyknoleptic petit mal epilepsy .
الصرع الصبياني العضلي الارتجاجيJuvenile myclonic epilepsy ، و الذي يعرف باسم الصرع الخفيف النابض Impulsive petit mal ، و المصحوب بنوبات الصرع الكبير.
و أما في أنواع الصرع الجزئي أو الثانوي العام Petit mal or secondary generalized سواء كانت النوبات حركية أو حسية motor and sensory فإن دواعي الاستعمال في مثل هذه الحالات يعتمد على مدى تكرار النوبات، و هذا ينطبق أيضاً على حالات الصرع الجزئي المركبةComplex partial seizure .
و من الأفضل محاولة بدء العلاج بدواء واحد فقط، و إذا ثبت أن هذا الدواء غير فعال، حتى و لو كان تركيزه في الدم عالياً أو فوق المعدل العلاجي، فإنه بالإمكان إضافة دواء آخر للعلاج. و إذا وصلنا إلى التحكم و السيطرة على النوبات الصرعية، نبدأ في سحب Withdrawal الدواء تدريجياً من علاج المريض، و هو ما يعني تقليل الجرعات تدريجياً إلى أن يتم التوقف عن استعماله.
و لم يلاحظ حتى الآن أي تأثير مقوٍ بين الأدوية المضادة للصرع في حالة تناولها مع بعضها البعض، أي أنه عند تناول أكثر من دواء مضاد للصرع، فإن أحد الأدوية لا يقوي من مفعول أو تأثير الدواء الآخر.
و كوسيلة للتأريخ، و المساعدة في تتبع المرض، يجب على المرضى دائماً تسجيل النوبات في تقويم خاص بذلك مع تسجيل قائمة الأدوية الموصوفة لهم وجرعاتها. إن وجود صندوق يحتوي على الجرعات اليومية من الأدوية المضادة للصرع لمدة أسبوع قادم يساعد على التقيد بانتظام تعاطي الدواء في الوقت المحدد، و هي المشكلة التي تواجه الكثير من الأطباء، إذ يتغاضى بعض المرضى عن أخذ الأدوية بانتظام، ما يسبب انتكاسات خطيرة، رغم معرفة المريض بضرورة تناول الدواء في موعده المحدد.
و لتفادي الآثار الجانبية للدواء، و التي قد تظهر عندما يتخطى تركيز الدواء في الدم النسبة أو المعدل العلاجي Therapeutic level، و يتخطاه إلي مستوى التسمم بالدواء .. لتفادي هذا يتعين قياس تركيز نسبة الدواء في الدم بشكل دوري. و يساعد هذا على ضبط الجرعات الدوائية الموصوفة عند بداية العلاج، و بمعنى آخر يمكن أن نعرف متى يصل تركيز الدواء في الدم إلى المعدل العلاجي عندها نبدأ في تخفيض الجرعات.
و تختلف المدة التي يجب بعدها قياس نسبة الدواء في الدم من عقار لآخر، ففي حالة عقار الفينيتوين Phenytoin و عقار الكاربمازبين Carbamazepine والإيثوسوكسيميد Ethosuximide تتراوح من 7 – 10 أيام من بداية تعاطي العلاج، و في حالة عقار الفينوباربيتال Phenobarbital فهي ثلاثة أسابيع.
عقار الكاربامازيبين (تيجريتول)
عقار الاكسوثميد
و لا يعتبر التخطيط الكهربائي أداة لضبط سير العلاج، حيث أن التغيرات الكهربائية للمخ قد تختلف من آن لآخر، كما أنه ليس هناك أي تأثير للأدوية المضادة للصرع على تخطيط المخ الكهربائي، فنشاطها يقتصر على تثبيط البؤرة الصرعية ذات النشاط الزائد، و ليس تثبيط النشاط الكهربي للمخ بشكل عام.
العلاج الجراحي للصرع
إن العلاج التقليدي لمرض الصرع هو العلاج الدوائي الذي يقوم بتنظيم كهربائية المخ، و تهدئة و تسكين البؤرة الصرعية، و هو يفيد في حوالي 60 – 70 % من المرضي أما 30- 40 % من المرضي الذين لا يستجيبون للعلاج فهؤلاء لابد من إدخالهم برنامج "تقييم حالات الصرع الغير مستجيب للعلاج الدوائي لامكانية العلاج الجراحي". و تأجيل الجراحة في بعض الأحوال يـؤدي إلى تفاقم الحالة و تدهور النتائج المرجوة منها .
و طريقة التقييم تتمثل في توقف المريض عن تعاطي أدوية الصرع عند دخوله لمركز تشخيص الصرع، و يسمح للنوبات الصرعية بالحدوث و أثناء ذلك يكون المريض متصل بجهاز رسم المخ بالكمبيوتر علي مدار 24 ساعة، و كذلك يتم تسجيل جميع حركاته بواسطة كاميرات فيديو خاصة، و هذا ما يسمي تسجيل المخ بالكمبيوتر و الفيديو.
و عند حدوث النوبة يتم تسجيلها بواسطة كاميرات الفيديو، كما يتم تسجيل جميع التغيرات الكهربائية التي حدثت بالقشرة المخية منذ بداية النوبة حتى نهايتها و بتحليل هذه المعلومات، و خاصة مع تكرار النوبات يتم تحديد موضع منشأ النوبة الصرعية، أي موضع البؤرة الصرعية بدقة تامة. و في هذه الحالة يتم بواسطة الفريق الطبي المكون من أطباء أمراض المخ و الأعصاب و جراحة المخ و الأعصاب – يقوم هذا الفريق بمراجعة جميع معلومات ملف المريض، و يقوم بتحديد مدي احتياج المريض للعلاج الجراحي و فرص المريض في التحسن أو الشفاء، و كذلك نسبة المخاطر من الجراحة.
و للعلم، فإن العلاج الجراحي للصرع علاج معروف بالدول الغربية مثل كندا و انجلترا منذ عام 1928، و تطورت الجراحات و تحسنت النتائج بصورة كبيرة مع التطور الكبير الذي حدث في وسائل التشخيص و استخدام أساليب الجراحة الميكروسكوبية و فحص الرنين المغناطيسي و استخدام الكمبيوتر و الفيديو في تحديد موضع بؤرة الصرع، مما جعل العمليات الجراحية للصرع في الوقت الحالي شديدة الفاعلية عالية الأمان و تأتي بنتائج مبهرة دون مضاعفات تذكر في حالات كثيرة.
و أشهر أنواع الصرع الذي يستجيب للجراحة هو الصرع الناشئ من الفص الصدغى، و الذي يتم فيه استئصال جزء من الفص الصدغى المسبب للمرض، و تصل نسبة الشفاء فيه إلي حوالي 90 % في حالات تليف "قرن أمون" (Hippocampus) و هي المنطقة من المخ التي تشكل أهمية بالنسبة للذاكرة المكانية و ذاكرة الأحداث في حياتنا اليومية. أما وجود البؤرة خارج الفص الصدغى كوجودها في الفص الأمامي أو الخلفي للمخ فنتائجه أقل و تتراوح بين 50-80% حسب الحالة .
صورة بالرنين المغناطيسي لمريض بصرع الفص الصدغي، تظهر ضمور في قرن آمون الأيمن (الدائرة الحمراء)
و هناك حالات الصرع الكلي، و التي يتم فيها إجراء عمليات لمنع انتشار البؤرة الصرعية، و كذلك حالات الصرع المصاحبة للشلل النصفي، و التي تعقب بعض الحوادث أو الالتهابات المخية أو بعض العيوب الخلقية، و التي يكون فيها أحد نصفي المخ بالكامل متأثرًا بالمرض و مسببًا للمريض شللاً نصفيًا و نوبات صرعية تظهر في الجزء المريض، و قد تنتشر لباقي الجسم، و هنا يمكن إجراء عمليات لفصل هذا النصف عن باقي أجزاء المخ بأمان تام و تتوقف النوبات الصرعية بإذن الله.
أما أصعب حالات جراحات الصرع فهي الحالات التي تكون فيها بؤرة الصرع متداخلة مع مركز من مراكز المخ الهامة كالحركة أو الكلام، و هنا يتم إجراء العملية تحت مخدر موضعي دون تخدير كلى مثل عمليات الأسنان، و تستخدم أجهزه خاصة لرسم خريطة للقشرة المخية تتضمن إجراء رسم المخ داخل غرفة العمليات لتحديد موضع البؤرة الصرعية، و كذلك تنبيه القشرة المخية لتحديد موضع المركز العصبي الهام، و فى هذه الحالة يتم استئصال البؤرة الصرعية بأمان دون المساس بمراكز المخ الحساسة و تكون النتائج عادة مرضيه جدًا بإذن الله .
و من المهم التنبيه إلى أنه ليست جميع حالات الصرع التي لا يمكن السيطرة عليها بالدواء يمكن إجراء الجراحة لها، فالمخ جزء حساس، والجراحة لها مساوئها. و معظم مراكز جراحة المخ و الأعصاب في هذه الأيام يقتصر علاجهم جراحيًا على حالات الصرع الحركي النفسيPsychomotor epilepsy ، أو الأنواع الأخرى من الصرع أو النوبات التي تنبع من الفص الصدغي. و تختص هذه العملية باستئصال الفص الدماغي الأمامي من جانب واحد من المخ Unilateral resection of the anterior temporal lobe أو بواسطة الكي الكهربائي Electro coagulation في النواة اللوزانية (شبه اللوزة(Amygdaloid nucleus ، و ذلك
لعلاج بعض الحالات النادرة والمصحوبة باضطرابات سلوك